فصل: الوقوف:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{ما لهذا الرسول يأكل الطعام} [الفرقان: 7] الآيات، وقولهم {لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا} [الفرقان: 21] وقولهم {لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة} [الفرقان: 32] وقولهم {وما الرحمن} [الفرقان: 60] إلى ما عضد هذه وتخللها، ولهذا ختمت بقاطع الوعيد، وأشد التهديد، وهو قوله سبحانه: {فقد كذبتم فسوف يكون لزامًا} [الفرقان: 77] انتهى.
ولما تقدم ذكر منزل الفرقان سبحانه، وذكر الفرقان والمنزل عليه على طريق الإجمال، أتبع ذلك تفصيله على الترتيب، فبدأ بوصف المنزل سبحانه بما هو أدل دليل على إرادة التعميم في الرسالة لكل من يريد، فقال: {الذي له} أي وحده {ملك السماوات والأرض} فلا إنكار لأن يرسل رسولًا إلى كل من فيهما {ولم يتخذ ولدًا} ليتكبر على رسوله {ولم يكن له شريك في الملك} ليناقضه في الرسالة أو يقاسمه إياها، فيكون بعض الخلق خارجًا عن رسالته، أو مراعيًا لأمر غير أمره.
ولما كان وقوف الشيء عند حد- بحيث لا يقدر أن يتعداه إلى حد شيء آخر سواه، فهذا حيوان لا يقدر على جعل نفسه جمادًا ولا أعلى من الحيوان، وهذا جماد لا يمكنه جعل نفسه حيوانًا ولا أسفل من رتبة الجماد إلى غير ذلك مما يعجز الخلق عن شرحه دالًا على أنه مخلوق مربوب، قال تعالى: {وخلق} أي أحدث إحداثًا مراعى فيه التقدير والتسوية {كل شيء} أي مما ادعى فيه الولدية أو الشرك وغيره.
ولما كان قد سوى كل شيء لما يصلح له وهيأه لذلك، قال شارحًا ومحققًا لمعنى {خلق} {فقدره} في إيجاده من غير تفاوت {تقديرًا} أي لا يمكن ذلك الشيء مجاوزته فيما خلق لأجله وهيىء ويسر له إلى غيره بوجه من الوجوه.
ولما ذكرهم بما ركز في فطرهم من العلم، عجب منهم لكل ذي عقل في جملة حالية فيما خالفوا ما لهم من المشاهدة، فقال مضمرًا للفاعل إشارة إل استهجان نسبة هذا الفعل إلى فاعل معين توبيخًا لهم وإرشادًا إلى المبادرة من كل سامع إلى نفيه عنه فقال: {واتخذوا} أي كلف أنفسهم عبدة الأوثان أن أخذوا.
ولما كان علوه لا يحد، فكانت الرتب السافلة لا تحصى، نبه على ذلك بالجار فقال: {من دونه} أي بعد ما قام من الدليل على أنه الإله وحده من الحيثيات التي تقدمت {آلهة} المتحدون مشاهدون لأنهم كما قال تعالى: {لا يخلقون شيئًا} أي لا أعجز منهم، لا يكون منهم إيجاد شيء، فيهم دون من عبدهم.
ولما كان المتعنت ربما ادعى أنهم مع ذلك غير مخلوقين قال: {وهم يخلقون} أي بما يشاهد فيهم من التغير والطواعية لمشيئته سبحانه، ومن ذلك أن عبدتهم افتعلوهم بالنحت والتصوير.
ولما قرر أنه أنعم على كل شيء، وكانت النعم أكثر وجودًا، وكان أدنى نعمة على الشيء خلقه سبحانه له، أخبر أن ذلك الغير لا يقدر على ضر نفسه ولا بالإعدام، فقال معبرًا بأداة العقلاء تهكمًا بعابديهم حيث أقاموهم في ذلك المقام، أو تغليبًا لأنهم عبدوا الملائكة وعزيرًا والمسيح عليهم السلام: {ولا يملكون} أي لا يتجدد لهم بوجه من الوجوه أن يملكوا {لأنفسهم ضرًا} ولذلك قدمه، ونكره ليعم.
فلما ثبت بذلك أنهم خلقه، ولكن كان ربما قال متعنت: إنهم يملكون ذلك ولكنهم يتركونه عمدًا، لأن أحدًا لا يريد ضر نفسه، قال: {ولا نفعًا} أي ولو بالبقاء على حالة واحدة، وعبدتهم يقدرون على ما أراد الله من ذلك على وجه الكسب، فهم أعلى منهم وعبادة الأعلى لمن دونه ليست من أفعال العقلاء.
ولما كان الموت والحياة ما ليس لغيرهما من عظيم الشأن، أعاد العامل فقال: {ولا يملكون} وقدم الموت لأن الحياة أكثر، فقال مبتدئًا بما هو من باب الضر على نسق ما قبله: {موتًا} أي لأنفسهم ولا لغيرهم {ولا حياة} أي من العدم {ولا نشورًا} أي إعادة لما طوي من الحياة بالموت، وعطفها بالواو وإن كان بعضها مسببًا عما قبله إشارة إلى أن كل واحدة منها كافية في سلب الإلهية عنهم بما ثبت من العجز. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{جنة نأكل} بالنون: حمزة وعلي وخلف. الباقون بالياء التحتانية {ويجعل لك} بالرفع: ابن عامر وأبو بكر وحماد والمفضل وابن كثير. الباقون بالجزم وذلك أن الشرط إذا وقع ماضيًا جاز في جزائه الرفع والجزم {يحشرهم} {فيقول} كلاهما بالياء: ابن كثير ويزيد وسهل ويعقوب وعباس وحفص، وقرأ ابن عامر بالنون فيهما. الباقون بالنون في الأول وبالياء في الثاني {أن يتخذ} على البناء للمفعول: زيد ويزيد {بما تقولون} بتاء الخطاب: يعقوب وعباس وحفص والسرنديبي عن قنبل. {تستطيعون} على الخطاب: حفص غير الخزاز.

.الوقوف:

{نذيراً} o لا بناء على أن ما بعده بدل من {الذي نزل} والتعليل من تمام الصلة، ولو قدر رفعه أو نصبه على المدح جاز الوقف {تقديراً} o {ولا نشوراً} o {آخرون} ج لأجل الفاء مع اختلاف القائل أو لاحتمال أن يكون {فقد جاؤا} من قول الكفار أي جاء محمد ومن أعانه بظلم وزور {وزوراً} o ج للاحتمال المذكور أو لعطف المتفقتين مع عوارض وطول الكلام {وأصيلاً} o {والأرض} ط {رحيماً} o {السواق} ط {نذيراً} o {منها} ط {مسحوراً} o {سبيلاً} o {الأنهار} ط لمن جعل رفع يجعل على الاستئناف {قصوراً} o {سعيراً} o لاحتمال كون ما بعده صفة أو استئنافاً {وزفيراً} o {ثبوراً} الأول o ط {كثيراً} o {المتقون} ط لانتهاء الاستفهام {مصيراً} o {خالدين} ط {مسؤولاً} o {السبيل} o {الذكر} ج لجواز أن يكون المراد وقد كانوا ولجواز أن يراد وصاروا فيتصل بقوله {بوراً} o {تقولون} o إلا لمن قرأ {تستطيعون} بتاء الخطاب {نصيراً} جo للشرط مع العطف {كبيراً} o {في السواق} ط {فتنة} ط {أتصبرون} ج لاحتمال كون الواو للحال {بصيراً} o. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1)}.
اعلم أن الله سبحانه وتعالى تكلم في هذه السورة في التوحيد والنبوة وأحوال القيامة، ثم ختمها بذكر صفات العباد المخلصين الموقنين، ولما كان إثبات الصانع وإثبات صفات جلاله يجب أن يكون مقدمًا على الكل لا جرم افتتح الله هذه السورة بذلك فقال: {تَبَارَكَ الذي نَزَّلَ الفرقان على عَبْدِهِ} وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
قال الزجاج: تبارك: تفاعل من البركة، والبركة كثرة الخير وزيادته وفيه معنيان:
أحدهما: تزايد خيره وتكاثر، وهو المراد من قوله: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ الله لاَ تُحْصُوهَا} [إبراهيم: 34] والثاني: تزايد عن كل شيء وتعالى عنه في ذاته وصفاته وأفعاله، وهو المراد من قوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء} [الشورى: 11] وأما تعاليه عن كل شيء في ذاته، فيحتمل أن يكون المعنى جل بوجوب وجوده وقدمه عن جواز الفناء والتغير عليه، وأن يكون المعنى جل بفردانيته ووحدانيته عن مشابهة شيء من الممكنات، وأما تعاليه عن كل شيء في صفاته فيحتمل أن يكون المعنى جل أن يكون علمه ضروريًا أو كسبيًا أو تصورًا أو تصديقًا وفي قدرته أن يحتاج إلى مادة ومدة ومثال وجلب غرض ومنال، وأما في أفعاله فجل أن يكون الوجود والبقاء وصلاح حال الوجود إلا من قبله، وقال آخرون: أصل الكلمة تدل على البقاء، وهو مأخوذ من بروك البعير، ومن بروك الطير على الماء، وسميت البركة بركة لثبوت الماء فيها، والمعنى أنه سبحانه وتعالى باق في ذاته أزلًا وأبدًا ممتنع التغير وباق في صفاته ممتنع التبدل، ولما كان سبحانه وتعالى هو الخالق لوجوه المنافع والمصالح والمبقى لها وجب وصفه سبحانه بأنه تبارك وتعالى.
المسألة الثانية:
قال أهل اللغة: كلمة {الذي} موضوعة للإشارة إلى الشيء عند محاولة تعريفه بقضية معلومة، وعند هذا يتوجه الإشكال، وهو أن القوم ما كانوا عالمين بأنه سبحانه هو الذي نزل الفرقان فكيف حسن هاهنا لفظ {الذي}؟ وجوابه: أنه لما قامت الدلالة على كون القرآن معجزًا ظهر بحسب الدليل كونه من عند الله، فلقوة الدليل وظهوره أجراه سبحانه وتعالى مجرى المعلوم.
المسألة الثالثة:
لا نزاع أن الفرقان هو القرآن وصف بذلك من حيث إنه سبحانه فرق به بين الحق والباطل في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وبين الحلال والحرام، أو لأنه فرق في النزول كما قال: {وَقُرْءانًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى الناس على مُكْثٍ} [الإسراء: 106] وهذا التأويل أقرب لأنه قال: {نَزَّلَ الفرقان} ولفظة {نزل} تدل على التفريق، وأما لفظة {أنزل} فتدل على الجمع، ولذلك قال في سورة آل عمران: {نَزَّلَ عَلَيْكَ الكتاب بالحق وَأَنزَلَ التوراة والإنجيل} [آل عمران: 3] واعلم أنه سبحانه وتعالى لما قال أولًا {تبارك} ومعناه كثرة الخير والبركة، ثم ذكر عقبه أمر القرآن دل ذلك على أن القرآن منشأ الخيرات وأعم البركات، لكن القرآن ليس إلا منبعًا للعلوم والمعارف والحكم، فدل هذا على أن العلم أشرف المخلوقات وأعظم الأشياء خيرًا وبركة.
المسألة الرابعة:
لا نزاع أن المراد من العبد هاهنا محمد صلى الله عليه وسلم، وعن ابن الزبير على عباده وهم رسول الله وأمته كما قال: {لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ} [الأنبياء: 10]، {قُولُواْ ءامَنَّا بالله وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا} [البقرة: 136]، وقوله: {لِيَكُونَ للعالمين نَذِيرًا} فالمراد ليكون هذا العبد نذيرًا للعالمين، وقول من قال: إنه راجع إلى الفرقان فأضاف الإنذار إليه كما أضاف الهداية إليه في قوله: {إِنَّ هذا القرءان يِهْدِى} [الإسراء: 9] فبعيد وذلك لأن المنذر والنذير من صفات الفاعل للتخويف، وإذا وصف به القرآن فهو مجاز، وحمل الكلام على الحقيقة إذا أمكن هو الواجب، ثم قالوا هذه الآية تدل على أحكام: الأول: أن العالم كل ما سوى الله تعالى ويتناول جميع المكلفين من الجن والإنس والملائكة، لكنا أجمعنا أنه عليه السلام لم يكن رسولًا إلى الملائكة فوجب أن يكون رسولًا إلى الجن والإنس جميعًا، ويبطل بهذا قول من قال إنه كان رسولًا إلى البعض دون البعض الثاني: أن لفظ {العالمين} يتناول جميع المخلوقات فدلت الآية على أنه رسول للخلق إلى يوم القيامة، فوجب أن يكون خاتم الأنبياء والرسل الثالث: قالت المعتزلة دلت الآية على أنه سبحانه أراد الإيمان وفعل الطاعات من الكل، لأنه إنما بعثه إلى الكل ليكون نذيرًا للكل، وأراد من الكل الاشتغال بالحسن والإعراض عن القبيح وعارضهم أصحابنا بقوله تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ} [الأعراف: 179] الآية، الرابع: لقائل أن يقول إن قوله: {تبارك} كما دل على كثرة الخير والبركة لابد وأن يكون المذكور عقيبه ما يكون سببًا لكثرة الخير والمنافع، والإنذار يوجب الغم والخوف فكيف يليق هذا لهذا الموضع؟ جوابه: أن هذا الإنذار يجري مجرى تأديب الولد، وكما أنه كلما كانت المبالغة في تأديب الولد أكثر كان الإحسان إليه أكثر، لما أن ذاك يؤدي في المستقبل إلى المنافع العظيمة، فكذا هاهنا كلما كان الإنذار كثيرًا كان رجوع الخلق إلى الله أكثر، فكانت السعادة الأخروية أتم وأكثر، وهذا كالتنبيه على أنه لا التفات إلى المنافع العاجلة، وذلك لأنه سبحانه لما وصف نفسه بأنه الذي يعطي الخيرات الكثيرة لم يذكر إلا منافع الدين، ولم يذكر ألبتة شيئًا من منافع الدنيا.
ثم إنه سبحانه وصف ذاته بأربع أنواع من صفات الكبرياء أولها: قوله: {الذى لَهُ مُلْكُ السموات والأرض} وهذا كالتنبيه على الدلالة على وجوده سبحانه لأنه لا طريق إلى إثباته إلا بواسطة احتياج أفعاله إليه، فكان تقديم هذه الصفة على سائر الصفات كالأمر الواجب وقوله: {لَّهُ مَا فِي السموات والأرض} إشارة إلى احتياج هذه المخلوقات إليه سبحانه بزمان حدوثها وزمان بقائها في ماهيتها وفي وجودها، وأنه سبحانه هو المتصرف فيها كيف يشاء وثانيها: قوله: {وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا} فبين سبحانه أنه هو المعبود أبدًا، ولا يصح أن يكون غيره معبودًا ووارثًا للملك عنه فتكون هذه الصفة كالمؤكدة لقوله: {تبارك} ولقوله: {الذى لَهُ مُلْكُ السموات والأرض} وهذا كالرد على النصارى وثالثها: قوله: {وَلَم يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ في الملك} والمراد أنه هو المنفرد بالإلهية، وإذا عرف العبد ذلك انقطع خوفه ورجاؤه عن الكل، ولا يبقى مشغول القلب إلا برحمته وإحسانه.